اللافت في منطقتنا العربية هو اشتعالها بحروب الوكالة، أي أن تستخدم دولاً قوية لها مطامع، كيانات محلية في دولنا، فتسلّحها وتموّلها، لتقوم بالتنفيذ والاقتتال عوضاً عنها، وهو ما جعل المنطقة تشتعل كهشيم في يوم قائظ، حيث هُدر الدم، وانتشرت رائحة الموت في كل مكان، كسوريا، وليبيا، والعراق، وغيرها. فالاستعمار خرج شكلياً ولكنه وظف أدواته لتخريب الأوطان عند لزوم الأمر، من خلال عدد من الجماعات، أو الأنظمة الفاشلة التي لم تحسن التدبير والتخطيط، وخدمة الشعوب.
سوريا مثلا ذاقت الويلات، وانتشرت فيها الفصائل والقوى، وكل فصيل قاتل لأجل غيره وما زال، فتركيا تقود مقاتلين من جهة لتحقيق مكاسب من خلالهم، والغرب دعم البعض، بهدف الاستحواذ على جزء من الكعكة، وتحقيق مآربه، أو الابتزاز بهم خدمة ل«إسرائيل» بإضعاف سوريا، وتحويلها من دولة متماسكة، إلى كانتونات يحكمها أمراء حرب. ورغم أن التحرر هو مطلب كل إنسان على المعمورة، إلاّ أن هذا الشعار استخدم في البلد الجريح لشرعنة الموت والقتل، وتبين لاحقاً أنه لذرّ الرماد في العيون، فالكثير استغل هذا المصطلح لغايات غير نبيلة، إذ إن جزءاً من حامليه مارسوا السطوة والترهيب والتدمير والتعذيب وتقييد الحريات في مناطق وجوده. وبهذا فإن الفساد المستشري في أركان الدولة، كان لا بد من محاربته بمسارات سليمة، لا من خلال الارتماء في أحضان المستعمرين والمنتفعين. ومن يسعَ للتغيير، ينبغِ أن يتنزّه عن الإفساد والفساد.
ولكن ما بات مفهوماً، أن الصراعات بين الدول الكبرى، كانت سوريا مسرحاً لها، لذلك، تم استغلال الحراك الشعبي المطلبي، ليتحول لاحقاً إلى صراع أجندات، وكسر عظم بين هذه الدول، ولكن بأدوات محلية، واستعرت حروب الوكالة تحت مظلة الحريات المزعومة، وإنقاذ الشعب من براثن «الديكتاتورية».
وهكذا في ليبيا، إذ نشهد اليوم حرباً كلامية بين فرنسا وإيطاليا، والصراع يشتد بينهما وقد ارتفعت وتيرته، للاستحواذ على ثروات هذا البلد، وإعادة الاستعمار «الناعم» مجدداً على هذه الدولة، فإيطاليا ترى في ليبيا حديقة خلفية، ومصدراً مهمّاً للطاقة، ومخزوناً استراتيجياً من الثروات، وما زالت تؤمن أنها مستعمرة لها وتابعة. وأكدت إيطاليا بوضوح أنها ترفض خطة الرئيس الفرنسي ماكرون، بإجراء انتخابات نيابية ورئاسية، واعتبرت ذلك تقويضاً للاستقرار، ونشر المزيد من الفوضى، كما ترى أن جمع باريس للفرقاء الليبيين، هو محاولة «مفضوحة» لإيجاد موضع قدم، للاستحواذ على المقدرات. وهذا التوتر بين الطرفين لا يقابل بمثله بليبيا، إذ إن الحرب على أشدها في هذا البلد، نيابة عنهما، وكل محاولات احتواء الأوضاع غالباً ما تذهب أدراج الرياح، خاصة إذا لم يكن على مقاسهما.
المثالان السابقان، يوضحان إلى أي حضيض وصلت المنطقة، ولذا فعلى العرب اتخاذ القرار الموحد، لحسم الأمر، وإيجاد حلول جذرية، تقطع الأيادي التي تذكي الصراعات، وتردع من لا يقبل الحل في المنطقة، بهدف بناء أمة قوية، وتحقق الأمن للأجيال المقبلة.. فهل يتحقق ذلك، أم أن التقاتل لصالح الغريب سيتواصل؟.
الأحد 10 شباط (فبراير) 2019
حروب بالوكالة
الأحد 10 شباط (فبراير) 2019
par
علي قباجة
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
16 /
2355978
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
8 من الزوار الآن
Visiteurs connectés : 10