لم تكن سريلانكا تعلم أنها ستكون في يوم من الأيام على موعد مع إجرام يندى له جبين الإنسانية؛ حيث طاولت التفجيرات أماكن عبادة في «أحد الفصح» وراح ضحيتها مئات القتلى والجرحى، ليصل تأثيرها إلى الحياة المشتركة التي تنعم بها تلك الدولة الآسيوية التي تفاخر بفسيفساء ضمن نسيجها الاجتماعي، ويشكل المسلمون منه نحو 10%؛ إذ بدأت ردات فعل تجتاح معظم المدن السريلانكية، داعية للانتقام وهو ما حدا بالسلطات هناك إلى اتخاذ تدابير أمنية لمواجهة شتى الاحتمالات.
فرغم التحذيرات التي وجهت للسلطات السريلانكية من جارتها الهند، فإنها قابلتها باللامبالاة، ما أدى إلى تلك المأساة الإنسانية، ليجري لاحقاً ملاحقة الفاسدين والمقصرين في محاولة لحفظ ماء الوجه، وحماية المجتمع من شرخ قد يدمر مقدراته، لا سيما أن سريلانكا تعاني فقراً مدقعاً إلى جانب أن الحرب الأهلية التي كانت مستعرة هناك حطت أوزارها منذ فترة غير بعيدة، وهو ما يشجع المتطرفين من جميع الاتجاهات على إذكاء الفتن القديمة، وأن يمتلكوا بؤراً إرهابية يوجهون من خلالها مخالبهم لمزيد من الدماء، وربما لا تبقى حدودها ضمن سريلانكا.
وكعادته الإجرامية يقوم تنظيم «داعش» بحصد أرواح المئات تحت ذريعة حجج واهية، وللأسف باسم «الإسلام» البريء منه براءة الذئب من دم يوسف. ولعل المفارقة في تفجيرات سريلانكا أن إجرام التنظيم المتطرف أثر في حياة المسلمين قبل غيرهم؛ حيث بدأ المسلمون يخشون من ارتياد المساجد، وهو ما بدا واضحاً في مساجد عدة في العاصمة كولومبو إلى جانب تهديدات طاولت العديد من السكان هناك، كما أن تلك التفجيرات قدمت قبلة الحياة للنافخين في «الإسلاموفوبيا» الذين رأوا فيها فرصة سانحة لتوجيه المزيد من الاتهام للمسلمين وهو ما انعكس كذلك على ردات الفعل التي اجتاحت دولاً عالمية عدة يتزعمها الشعبويون الذين بدأوا يجددون دعواتهم القديمة الحديثة بضرورة طرد اللاجئين ومعاقبتهم وعدم السماح لهم بدخول الدول الأوروبية.
ما شهدته سريلانكا من تفجيرات ينبغي أن يقف العالم حياله موقفاً إيجابياً فينتقل من أن يكون منفعلاً ليصبح فاعلاً، فالإرهاب لم يعد يستثني أحداً على وجه الأرض وإن كانت سريلانكا بالأمس فربما تكون إحدى دول العالم في الغد؛ لذا فلا بد من محاربة البؤر الإرهابية في منبعها قبل أن يمتد تأثيرها إلى مجتمعات أخرى؛ حيث إن خطر الإرهاب يمس جميع مناحي الحياة، وهو ما أثبتته التفجيرات التي اجتاحت الكثير من دول العالم، فإلى جانب أخطاره الاجتماعية والثقافية وغيرها فإنه يضرب العصب الاقتصادي الذي هو عماد أي دولة، ويبدو هذا جلياً في هجمات سريلانكا الأخيرة التي أثرت في الاقتصاد؛ إذ صدرت تصريحات بأن التفجيرات أضرت بالسياحة وأدت إلى خسائر تقدر ب1.5مليار دولار. لذا فالإرهاب ينبغي أن يقابل بعقلانية تحتويه حتى لا يمتد تأثيره إلى ما لا تحمد عقباه.
في مواجهة تصاعد ظاهرة التطرف والإرهاب التي باتت تعم العالم ، لم تعد الوسائل والأساليب المتبعة تكفي ، إذ لا بد من مقاربة جديدة تأخذ في الإعتبار تفشي هذه الظاهرة من خلال دول وأحزاب تحض على الكراهية والحقد تجاه الآخر المختلف دينا وعرقا وحضارة ولونا ، وهي ظاهرة معلومة المصادر ، وهذه مسؤولية عالمية يجب أن تبادر الأمم المتحدة إلى أتخاذ ما يلزم من إجراءات لوضع حد لها قبل أن تتفاقم وتصبح عصية على المواجهة.
الأحد 28 نيسان (أبريل) 2019
الأحد الدامي
الأحد 28 نيسان (أبريل) 2019
par
علي قباجة
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
19 /
2350485
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
43 من الزوار الآن
Visiteurs connectés : 20